الأخبار

كيفه و البداوة الهجينة

الحسن ولد خيمت النص

كيفة و البداوة الهجينة !

تأسست مدينة كيفة مع مطلع القرن العشرين و بالتحديد سنة 1907م في جنوب شرق البلاد ، و هي عاصمة ولاية لعصابة ذات المناظر الخلابة و التضاريس المتنوعة تنوع أسباب العيش فيها ، إذ تتعانق باسقات النخل مع قمم جبال لعصابة في مشهد بديع يذكرك بحديث النخل ، كما تنبسط السهول و الأودية في أرجائها و قد جاءها المخاض بعد عشر عجاف .

و هكذا تعيش المدينة هذه الأيام أجواء خريفية متميزة ، حيث الماء و الخضراء في كل مكان .. و قلوب البسطاء المفعمة بالنقاء و البهاء و حب الوطن ترفل في دفء الأمل و التطلع إلى غد تشرق فيه شمس التحرر من الجهل و الفقر و المرض .

و اليوم تقف المدينة محدودبة الظهر في عز شبابها دون أن تلج الحداثة بمعناها الحقيقي بيوتها .. ذلك أن نسبة الوعي لما تزدد بعد .. و كأن التاريخ يظل دائما يعيدنا عقودا ليجعلنا نعيش مع أسلافنا حياتهم اليومية من صولات و جولات مبالغ فيها .

لذلك لاتزال المدينة ترزح تحت نير البداوة الهجينة ، فلا الأحياء مخططة، و لا الشوارع نظيفة، بل باتت تتخذها قطعان البقر مراحا غير آمن برعاية ملاكها و مباركة من البلدية .

فيها يعاتبك نسيم عليل يهب كل حين على عدم التصرف حيال تعفن القمامة التي تفسد طيبه و عبق أريجه العذب .

في هذه المدينة تكتظ الأسواق غير المنظمة بالباعة و العربات و جباة الضرائب و المجانين .. إلا أن لباقة الأخيرين و ظرافتهم أكثر تحضرا و مدنية من سابقيهم .

في هذه المدينة لم يتغير شيء خلال العشرية الماضية ، بل العشريتين الماضيتين ، فلايزال العطش ساريا و الفقر منشرا ، و التملق سيمفونية سيئة الإخراج يعزفها الساسة و النخبة كلما كانوا على المحك “إلا من رحم ربك” .

في هذه المدينة المترامية الأطراف تصادفك المقابر بين البيوت محمية بسور متهالك و غير محمية ، و الأغرب من هذا كله وجود تلك المقبرة الكبيرة بين حيي القديمة و المطار في جوار لا يخلو هو الآخر من الغرابة مع سوق الحيوان و محطة النقل العتيقة .. و هنا ربما كنت شاهدا على ثور شارد يجتاز سور المقبرة في الوقت الذي تصلي فيه جماعة على جنازة ، و غير بعيد من ذلك ، يقف شرطي مأمور لا يأبه كثيرا إلا لصرير أمعائه و هو يصفر لسائق يغامر أو لآخر يغادر ..

في هذه المدينة يشرفك البسطاء من سكانها بلين جانبهم و طيب حديثهم و سماحة أخلاقهم ، فهم لا يظهرون حقدا و لا ضغينة ضد المتسلقين على أكتافهم و بائعيهم في كل مزاد انتخابي .. و لكنك كلما جالستهم أكثر وجدت إعصارا عنيفا يتشكل تحت تلك القشرة الرخوة ….

الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت النص

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى