
مشروع قانون المالية 2026 مرحلة فارقة في إدارة المالية العمومية في موريتانيا
يمثل مشروع قانون المالية لسنة 2026 مرحلة فارقة في إدارة المالية العمومية بموريتانيا، إذ يأتي كأول ميزانية يتم إعدادها وفق مقاربة البرامج، وهو تحول جوهري يخرج عن التصنيف الاقتصادي التقليدي ليعتمد على الأداء والنتائج. ومن وجهة نظري الاقتصادية، فإن هذا التحول ليس مجرد تغيير شكلي، بل خطوة استراتيجية حقيقية نحو إدارة مالية أكثر فعالية، تمكن الدولة من توجيه الموارد وفق أولويات واضحة وتحقيق أثر اقتصادي ملموس. فقد تم تحديد 108 برامج و24 مخصصًا لكل قطاع، مع أهداف قابلة للقياس ومؤشرات تقييم دقيقة، وهو ما أراه ضرورة لضمان أن كل أوقية تصرف تحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وليس مجرد تغطية نفقات تشغيلية تقليدية، بما يتناغم مع رؤية فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامج “طموحي للوطن”.
تشير البيانات الأولية إلى نمو اقتصادي متوقع بنسبة 5,1% في 2026 مقابل 4,1% في 2025، وهو ما يعكس، في تقديري، تحسن القدرة الإنتاجية وتحرك الاقتصاد في اتجاه أكثر ديناميكية. أرى أن هذه النسبة تمثل مؤشرًا إيجابيًا، لكنها أيضًا دعوة للحكومة إلى مواصلة تعزيز الاستثمار في القطاعات الحيوية، خصوصًا تلك التي تخلق فرص عمل وتزيد الإنتاج المحلي. أما على مستوى المالية العامة، فإن توقع أن تصل النفقات والقروض الصافية إلى 132,18 مليار أوقية (+10,96%)، مقابل إيرادات إجمالية تصل إلى 128,79 مليار أوقية (+10,11%)، يوضح، من وجهة نظري، أن هناك إدارة مالية صارمة، لكنها أيضًا تحتاج إلى مراقبة دقيقة لضمان أن زيادة النفقات تواكب إنتاجية حقيقية، وأن الاستثمارات تحقق مردودًا اقتصاديًا ملموسًا وليس مجرد إنفاق عابر.
من النقاط المميزة في هذه الميزانية، والتي أرى أنها خطوة جدية، هي إدراج خطة أداء سنوية لكل برنامج تحدد الاستراتيجيات والأهداف ومؤشرات التقييم. هذا يكرس الانضباط المالي ويعزز الشفافية، كما يتيح ربط التمويل بالنتائج، وهو ما أعتبره عاملًا حاسمًا لرفع كفاءة الإنفاق العام وتحقيق النمو المستدام. ومن منظوري الاقتصادي، يمثل هذا الربط بين الأداء والتمويل تحولًا جوهريًا يجعل الإدارة العامة أداة فعلية لتحقيق التنمية، بدل أن تكون مجرد جهاز رقابي أو صرفي تقليدي.
في ضوء هذه الأرقام، أرى أن مشروع قانون المالية 2026 ليس مجرد أرقام أو جداول، بل رؤية اقتصادية متكاملة تهدف إلى بناء اقتصاد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وأؤكد، من وجهة نظري، أن النجاح الحقيقي لهذه الميزانية سيقاس بمدى قدرة الحكومة على تحويل البرامج إلى نتائج ملموسة على الأرض، وتحقيق التوازن بين الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والحفاظ على الانضباط المالي، بما يضمن الاستقرار المالي المستدام ويخدم أهداف برنامج “طموحي للوطن” بطريقة قابلة للقياس والتقييم.
د.ختار الشيباني



