الأخبارمقالات

قتل الخباز مظلوما …!؟

الحسن ولد محمد الشيخ

قتل الخباز مظلوما ..!؟

كنت أستيقظ مع انبلاج الفجر  على آذان متبوع بإيقاع يعزف و يغني للحياة .. ينبعث من بين خبزتين حافيتين يطقطق بهما ذلك الفتى الغض كل صباح .. إلا أن رائحة دخان المستقبل كانت تكاد تمزق أحلام اليافعين من مثله و مثلي .

كان كل شيء هادئا و جميلا ، حتى تلك الأثافي المنصوبة تحت الشجرة .. كانت بسيطة في شكلها .. تليدة في أحجارها .. محافظة على الثقافة و الحضارة في عز المدنية المغشوشة !

كان ذلك الخباز يترك بضع خبزات مغمسة بالأمل فوق احد أطناب خيمتنا العتيقة و ينصرف بلباقة وكياسة .

وما إن ينتهي من ذلك التوزيع الروتيني حتى يعود إلى المخبز التقليدي الأصيل أصالة صاحبه في الحي و الوطن .. يجلس هنالك مع زملائه في انتظار أن ينضج الجديد ليوزع مع جرس العاشرة الرنان؛ لعل الخير معقود بنواصي قارعيه و سامعيه .

كنت أرى في عيني ذلك الخباز الحمروين وجوه البسطاء المغيبين قسرا عن الحياة، و كنت أسمع في صوته الخافت معاناة أترابه من الشباب فيتضخم الحلم في ذاكرتي مثلما تضخمت عضلات عضديه بفعل ما شق من الأعمال .

كان الخباز في تلك الأيام عاملا مخلصا وفيا أحب نفسه؛ فشرف عنده العمل ، و كره الخمول؛ فهان عليه كل صعب. و نظر إلى الحياة بكل اهتمام .

عدت إلى مضارب حينا القديم ، فانتظرته في وقت مجيئه فجرا،  و وقت مآبه مغربا، و لكنه لم يأت .

سألت ؟

قالوا لقد مات ؟

كان يعيش ببيت من الطين و الزنك  لا يملك درهما أخضرا و لا معدنا أصفرا على غير عادة بعض الزاهدين من الرؤساء و “الصلحاء” .

قلت : مات أم قتل ؟

قالوا : عاش شريفا و مات -بهدوء عاصف- طريحا على فراش رث في بيت هش دون أن يحصل على جزء ولو يسير من حقه الطبيعي في بلده الأصلي .

قلت : لقد مات الخباز -إذا- مقتولا مظلوما .

قتلته الظروف الاقتصادية الصعبة ؛ الجوع في بلاد جبالها حديد و نحاس .. صحراؤها ذهب و رصاص…

قتله العطش على أديم يسبح فوق بحيرات جوفية و قرب أحواض و انهار جارية تضيع مياهها هدرا …

قتلته الأرقام المنفوخة التي يتحدث بها المسؤولون و يثبتها البنك الدولي دون تدقيق.

قتلته التدشينات الصورية التي يتم تصويرها و الحديث عنها بلسان رطب غير متردد فيما يلهج من زيف …

-لسان قتل الأمل و لاينفك  يقتل الأمنيات-

قتلته التوجيهات السامية لكل رئيس حكم البلاد و كل حركة تصحيحية نظمها الجيش !

قتلته مطاردة  أسماك بلده المتأففة على مرجله الخاوي بعد أن احتضنتها بدفء مطاعم أوروبا و اليابان …

قتلته غازات تسربت أخبار عقودها المشبوهة و بنودها المجحفة و شروط وجودها قبل أن تكون حقيقة .

جرفته سيول الوعود الكاذبة بعيدا عن أصله و فصله و نصله .

قتله حديد لا يقطع و نحاس لا يصنع و ذهب لا يلمع و نهر لا يسقي من ظمأ و مزارع  لا تشبع و أنعام لا تضرع .

قتلته الأيام الشاحبة و الأخبار الزائفة و الليالي الناحبة و العصابات الخاطفة (خاطفة للوطن)

قتلته وجوه من حديد لا يصدأ .. صراخ حامليها أعلى من صوت الديناميت في مناجم تيرس و فعالهم أفظع و أشنع من هدم معاول كينروس تازيازت .

قتلته القبلية التي رتبته وضيعا و العنصرية التي جعلته حقيرا و العلمانية التي اعتبرته رجعيا و السلفية المتطرفة التي رأته ملحدا دمه هدر .

قتله السحب مكرها إلى مكاتب التصويت لاختيار آكله،  و السحل مجبرا تحت أقدام منتخبه بعد كل استحقاق هو  بمثابة استخفاف بالإنسان في بلاد السيبة ..

أو لم يكن الخباز بهذا قد قتل مظلوما ..!؟

الحسن ولد محمد الشيخ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى